الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***
ذكره عقب القران لاقترانهما في معنى الانتفاع بالنسكين، وقدم القران لمزيد فضله نهر (قوله من المتاع) أي مشتق منه لأن التمتع مصدر مزيد والمجرد أصل المزيد ط. وفي الزيلعي: التمتع من المتاع أو المتعة، وهو الانتفاع أو النفع، قال الشاعر: وقفت على قبر غريب بقفرة *** متاع قليل من غريب مفارق جعل الأنس بالقبر متاعا. ا هـ. (قوله وشرعا أن يفعل العمرة) أي طوافها لأن السعي ليس ركنا فيها على الصحيح كالحج، وقوله الآتي ثم يحرم بالحج بالنصب عطفا على يفعل، فهو من تتمة التعريف، وأشار إلى أنه لا يشترط كون إحرام العمرة في أشهر الحج ولا كون التمتع في عام الإحرام بالعمرة، بل الشرط عام فعلها، حتى لو أحرم بعمرة في رمضان وأقام على إحرامه إلى شوال من العام القابل ثم حج من عامه ذلك كان متمتعا كما في الفتح. [تنبيه] ذكر في اللباب أن شرائط التمتع أحد عشر: الأول: أن يطوف للعمرة كله أو أكثره في أشهر الحج. الثاني: أن يقدم إحرام العمرة على الحج. الثالث: أن يطوف للعمرة كله أو أكثر قبل إحرام الحج. الرابع: عدم إفساد العمرة. الخامس: عدم إفساد الحج. السادس: عدم الإلمام إلماما صحيحا كما يأتي. السابع: أن يكون طواف العمرة كله أو أكثره والحج في سفر واحد، فلو رجع إلى أهله قبل إتمام الطواف ثم عاد وحج، فإن كان أكثر الطواف في السفر الأول لم يكن متمتعا، وإن كان أكثره في الثاني كان متمتعا، وهذا الشرط على قول محمد خاصة على ما في المشاهير. الثامن: أداؤهما في سنة واحدة، فلو طاف للعمرة في أشهر الحج من هذه السنة وحج من سنة أخرى لم يكن متمتعا وإن لم يلم بينهما أو بقي حراما إلى الثانية. التاسع: عدم التوطن بمكة فلو اعتمر ثم عزم على المقام بمكة أبدا لا يكون متمتعا، وإن عزم شهرين أي مثلا وحج كان متمتعا. العاشر: أن لا تدخل عليه أشهر الحج وهو حلال بمكة أو محرم ولكن قد طاف للعمرة أكثره قبلها إلا أن يعود إلى أهله فيحرم بعمرة. الحادي عشر: أن يكون من أهل الآفاق والعبرة للتوطن، فلو استوطن المكي في المدينة مثلا فهو آفاقي وبالعكس مكي، ومن كان له أهل بهما واستوت إقامته فيهما فليس بمتمتع وإن كانت إقامته في إحداها أكثر لم يصرحوا به. قال صاحب البحر: وينبغي أن يكون الحكم للكثير، وأطلق المنع في خزانة الأكمل. ا هـ. (قوله مثلا) المراد أنه طاف ذلك قبل أشهر الحج سواء في ذلك رمضان وغيره ط (قوله من عامه) أي عام الطواف لا عام إحرام العمرة كما مر، وأفاد أنه لو طاف الأكثر قبل أشهر الحج لم يكن متمتعا ولو حج من عامه، ولا فرق بين أن يكون في ذلك الطواف جنبا أو محدثا ثم يعيده فيها أو لا لأن طواف المحدث لا يرتفض بالإعادة وكذا الجنب، وتمامه في النهر آخر الباب. قال في الفتح والنهر: والحيلة لمن دخل مكة محرما بعمرة قبل أشهر الحج يريد التمتع أن لا يطوف بل يصبر إلى أن تدخل أشهر الحج ثم يطوف، فإنه متى طاف وقع عن العمرة، ثم لو أحرم بأخرى بعد دخول أشهر الحج وحج عامه لم يكن متمتعا في قول الكل لأنه صار في حكم المكي بدليل أن ميقاته ميقاتهم. ا هـ. (قوله فلتغير النسخ) أراد بالنسخ ما وجدته في متن مجرد من قوله هو أن يحرم بعمرة من الميقات في أشهر الحج ويطوف ا هـ. فقيد الإحرام بكونه من الميقات وهو ليس بقيد بل لو قدمه صح، وكذا لو أخره وإن لزمه دم إذا لم يعد إلى الميقات، وبكونه في أشهر الحج وليس بقيد، بل لو قدمه صح بلا كراهة وأطلق في الطواف، فمقتضاه أنه لا بد أن يقع جميعه في أشهر الحج لأنه شرط أن يكون الإحرام في أشهر الحج، والطواف لا يكون إلا بعد الإحرام مع أنه يكفي وجود أكثره فيها فلذلك أمر المصنف بتغيير النسخ إلى النسخة التي اعتمدها وهي قوله أن يفعل العمرة أو أكثر أشواطها في أشهر الحج عن إحرام بها قبلها أو فيها ويطوف إلخ هكذا شرح عليها في المنح، وذكرها بعينها في الشرح أيضا والشارح أسقط منها قوله عن إحرام بها قبلها أو فيها. ا هـ. قلت: ولعله أسقطه استغناء بالإطلاق. ويرد على هذا التعريف أيضا ما لو أحرم بهما في عامين أو في عام واحد لكن ألم بأهله إلماما صحيحا، وقد تفطن الشارح للثاني فقيد فيما سيأتي بقوله في سفر واحد إلخ فكان على المصنف أن يقول كما قال الزيلعي: ثم يحج من عامه ذلك من غير أن يلم بأهله إلماما صحيحا، لكن يرد عليه أيضا كما في النهر أن فائت الحج إذا أخر التحلل بعمرة إلى شوال فتحلل بها فيه وحج من عامه ذلك لا يكون متمتعا. ويجاب بأن قول المصنف أن يفعل العمرة يخرجه لأن فائت الحج لا يفعل العمرة لأنه أحرم بالحج لا بها، وإنما يتحلل بصورته أفعالها كما قدمناه، وأشار إليه في البحر هنا أيضا. ويرد عليه أيضا ما صرحوا به من أنه لو أحرم بعمرة يوم النحر فأتى بأفعالها ثم أحرم من يومه بالحج وبقي محرما بالحج إلى قابل فحج كان متمتعا ا هـ. لكن هذا وارد على قول الزيلعي وغيره ثم يحج. أما قول المصنف ثم يحرم بالحج فلا لصدقه بما إذا أحرم به في عام العمرة ولم يحج: ويمكن حمل كلام الزيلعي عليه بأن يراد ثم ينشئ الحج تأمل (قوله ويطوف ويسعى إلخ) عطف تفسير على قوله يفعل العمرة، ولا حاجة إليه لأن بيان أفعال العمرة تقدم مع أنه يوهم لزوم السعي في صحة التمتع وإن كان فيما قبله إشارة إلى عدمه (قوله كما مر) أي طوافا وسعيا مماثلين لما مر من بيان صفتهما (قوله إن شاء) راجع للأمرين أي إن شاء حلق، وإن شاء قصر، وإن شاء بقي محرما ح. وفيه دلالة على أن المتمتع بها الذي لم يسق الهدي لا يلزمه التحلل كما ذكره الإسبيجابي وغيره، وظاهر الهداية خلافه، وتمامه في شرح اللباب (قوله في أول طوافه للعمرة) لأنه عليه الصلاة والسلام: «كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر»، رواه أبو داود نهر (قوله وأقام بمكة حلالا) هذا ليس بلازم في التمتع، بل إن أقام بها حج كأهلها فميقاته الحرم، وإن أقام بالمواقيت أو داخلها حج كأهلها فميقاته الحل، وإن أقام خارج المواقيت أحرم فيها كذا في القهستاني، فقوله ثم يحرم بالحج يجري على هذا التفصيل ط. [تنبيه] أفاد أنه يفعل ما يفعله الحلال، فيطوف بالبيت ما بدا له ويعتمر قبل الحج، وصرح في اللباب بأنه لا يعتمر: أي بناء على أنه صار في حكم المكي وأن المكي ممنوع من العمرة في أشهر الحج وإن لم يحج، وهو الذي حط عليه كلام الفتح. وخالفه في البحر وغيره بأنه ممنوع منها إن حج من عامه وسيأتي تمامه (قوله في سفر واحد) كان عليه أن يزيد في عام واحد ليخرج ما إذا أحرم بالعمرة وأتى بأفعالها وبقي محرما إلى العام الثاني فأحرم بالحج بلا تخلل سفر بينهما فإنه لا يسمى متمتعا كما أشرنا إليه فافهم (قوله حقيقة) أي كما قدمه في قوله وأقام بمكة حلالا ح (قوله أو حكما بأن يلم إلخ) أي بأن يكون العود إلى مكة مطلوبا منه، إما بسوق الهدي، وإما بأن يلم بأهله قبل أن يحلق؛ أما في الأول فلأن هديه يمنعه من التحلل قبل يوم النحر، وأما في الثاني فلأن العود إلى الحرم مستحق عليه للحلق في الحرم، وجوبا عندهما، واستحبابا عند أبي يوسف، فالإلمام الصحيح أن يلم بأهله بعد أن حلق في الحرم ولم يكن ساق الهدي لكون العود غير مطلوب منه. والأولى للشارح أن يقول بأن لا يلم بأهله إلماما صحيحا ليشمل ما إذا كان كوفيا فلما اعتمر ألم بالبصرة. ا هـ. ح والمراد بأن لا يلم في سفره فلا يصدق بعدم الإلمام أصلا فافهم. ثم اعلم أن ما ذكر من شروط الإلمام الصحيح إنما هو في الآفاقي، أما المكي فلا يشترط فيه ذلك بل إلمامه صحيح مطلقا لعدم تصور كون عوده إلى الحرم غير مستحق عليه لأنه في الحرم، سواء تحلل أو لا، ساق الهدي أو لا ولذا لم يصح تمتعه مطلقا كما سيأتي (قوله يوم التروية) لأنه يوم إحرام أهل مكة، وإلا فلو أحرم يوم عرفة جاز معراج: قال في اللباب: والأفضل أن يحرم من المسجد، ويجوز من جميع الحرم ومن مكة أفضل من خارجها، ويصح ولو خارج الحرم ولكن يجب كونه فيه إلا إذا خرج إلى الحل لحاجة فأحرم منه لا شيء عليه، بخلاف ما لو خرج لقصد الإحرام ا هـ. (قوله لكنه يرمل في طواف الزيارة) أي لأنه أول طواف يفعله في حجه: أي بخلاف المفرد فإنه يرمل في طواف القدوم كالقارن كما مر. قال في البحر: وليس على المتمتع طواف قدوم كما في المبتغى: أي لا يكون مسنونا في حقه، بخلاف القارن لأن المتمتع حين قدومه محرما بالعمرة فقط، وليس لها طواف قدومه ولا صدر ا هـ. فالاستدراك في محله فافهم (قوله إن لم يكن قدمهما) أي عقب طواف تطوع بعد الإحرام بالحج، فلا دلالة في هذا على مشروعية طواف القدوم للمتمتع، خلافا لما فهمه في النهاية والعناية كما بسطه في الفتح. (قوله وذبح كالقارن) التشبيه في الوجوب والأحكام المارة في هدي القران (قوله ولم تنب الأضحية عنه) لأنه أتى بغير الواجب عليه، إذ لا أضحية على المسافر ولم ينو دم التمتع، والتضحية إنما تجب بالشراء بنيتها أو الإقامة ولم يوجد واحد منهما، وعلى فرض وجوبها لم تجز أيضا لأنهما غيران، فإذا نوى عن أحدهما لم يجز عن الآخر معراج الدراية. قال في النهر: وفيه تصريح باحتياج دم المتعة إلى النية، قال في البحر: وقد يقال: إنه ليس فوق طواف الركن ولا مثله، وقد مر أنه لو نوى به التطوع أجزأه، فينبغي أن يكون الدم كذلك بل أولى. ا هـ. وأجاب في الشرنبلالية بأن الطواف لما كان متعينا في أيام النحر وجوبا كان النظر لإيقاع ما طافه عنه وتلغو نية غيره. وأما الأضحية فهي متعينة في ذلك الزمن كالمتعة فلا تقع الأضحية مع تعينها عن غيرها ا هـ. والمراد بتعينها تعين زمنها لا وجوبها، حتى يرد عليه أنها لا تجب على المسافر؛ يعني أن الأضحية لا تسمى أضحية إلا إذا وقعت في أيام النحر وكذا دم المتعة فلما كان زمنها متعينا وقد نواها أضحية فلا تقع عن دم المتعة، بخلاف الطواف فإن التطوع به غير مؤقت، فإذا كان عليه طواف مؤقت ونوى به غيره ينصرف إلى الواجب المؤقت لأنه يمكنه التطوع بعده، وكذا لو نوى طوافا آخر واجبا ينصرف إلى الذي حضر وقته ووجب فيه ويلغو الآخر مراعاة للترتيب؛ كما لو نوى القارن بطوافه الأول القدوم يقع عن العمرة كما مر فافهم. وأجاب الرحمتي بأن الدم ليس من أفعال الحج والعمرة، ولذا لم يجب على المفرد بأحدهما بل وجب شكرا على المتمتع بهما فلم يكن داخلا تحت نية الحج والعمرة، فلا بد له من النية والتعيين، فلو نوى غيره لا يجزي كما لو أطلق النية، بخلاف الأطوفة فإنها من أعمالهما داخلة تحت إحرامها فتجزئ بمطلق النية (قوله أي العمرة) لأنه صيام بعد وجوب سببه وهو التمتع فإنه يحصل بالعمرة على نية المتعة. وعند الشافعي لا يجوز حتى يحرم بالحج، وتمامه في المحيط (قوله لكن في أشهر الحج) مرتبط بالصوم والإحرام، فلو أحرم قبلها وصام فيها لم يصح لأنه لا يلزم من صحة الإحرام بالعمرة قبل الأشهر صحة الصوم، أفاده في الشرنبلالية (قوله وتأخيرها) أي إلى السابع والثامن والتاسع كما مر في القران. (قوله وإن أراد إلخ) هذا هو القسم الثاني من التمتع، وقوله وهو أفضل: أي من القسم الأول الذي لا سوق هدي معه لما في هذا من الموافقة لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ط (قوله أحرم ثم ساق إلخ) أتى بثم إشارة إلى أنه يحرم أولا بالنية مع التلبية فإنه أفضل من النية مع السوق وإن صح بشروط وتفصيل قدمناه في باب الإحرام (قوله وهو شق سنامها) بأن يطعن بالرمح أسفله حتى يخرج الدم ثم يلطخ بذلك الدم سنامها ليكون ذلك علامة كونها هديا كالتقليد لباب وشرحه (قوله أو الأيمن) اختاره القدوري، لكن الأشبه الأول كما في الهداية (قوله لأن كل أحد لا يحسنه) جرى على ما قاله الطحاوي والشيخ أبو منصور الماتريدي من أن أبا حنيفة لم يكره أصل الإشعار، وكيف يكرهه مع ما اشتهر فيه من الأخبار، وإنما كره إشعار أهل زمانه الذي يخاف منه الهلاك خصوصا في حر الحجاز فرأى الصواب حينئذ سد هذا الباب على العامة، فأما من وقف على الحد بأن قطع الجلد دون اللحم فلا بأس بذلك. قال الكرماني: وهذا هو الأصح، وهو اختيار قوام الدين وابن الهمام، فهو مستحب لمن أحسنه شرح اللباب. قال في النهر: وبه يستغنى عن كون العمل على قولهما بأنه حسن (قوله واعتمر) أي طاف وسعى، والشرط أكثر طوافها كما مر (قوله ولا يتحلل منها حتى ينحر) لأن سوق الهدي مانع من إحلاله قبل يوم النحر، فلو حلق لم يتحلل من إحرامه ولزمه دم: أي إلا أن يرجع إلى أهله بعد ذبح هديه وحلقه لباب وشرحه، وتمامه فيه. قال في البحر: ومقتضاه: أي مقتضى لزوم الدم بالحلق أنه يلزمه كل جناية على الإحرام كأنه محرم. ا هـ. قلت: بل مقتضى قول اللباب لم يتحلل أنه محرم حقيقة، ويدل له قولهم: إذا كان لسوق الهدي تأثير في إثبات الإحرام ابتداء يكون له تأثير في استدامته بقاء بالأولى لأنه أسهل من الابتداء (قوله ثم أحرم للحج) اعلم أن المتمتع إذا أحرم بالحج، فإن كان ساق الهدي أو لم يسق ولكن أحرم به قبل التحلل من العمرة صار كالقارن، فيلزمه بالجناية ما يلزم القارن، وإن لم يسقه وأحرم بعد الحلق صار كالمفرد بالحج إلا في وجوب دم المتعة وما يتعلق به شرح اللباب. (قوله على الظاهر) أي ظاهر الرواية من بقاء إحرام العمرة إلى الحلق، ويحل منه في كل شيء حتى في النساء لأن المانع له من التحلل سوقه الهدي، وقد زال بذبحه. وفي القارن يحل منه في كل شيء إلا في النساء كإحرام الحج، وهذا هو الفرق بين المتمتع الذي ساق الهدي وبين القارن وإلا فلا فرق بينهما بعد الإحرام بالحج على الصحيح كما ذكرنا بحر. وعليه فإذا حلق ثم جامع قبل الطواف لزمه دم واحد لو متمتعا ودمان لو قارنا، و في هذا رد لما قيل من أن إحرام العمرة ينتهي بالوقوف كما أوضحه البحر وغيره (قوله ومن في حكمه) أي من أهل داخل المواقيت (قوله يفرد فقط) هذا ما دام مقيما، فإذا خرج إلى الكوفة وقرن صح بلا كراهة لأن عمرته وحجته ميقاتان فصار بمنزلة الآفاقي. قال المحبوبي: هذا إذا خرج إلى الكوفة قبل أشهر الحج. وأما إذا خرج بعدها فقد منع من القران فلا يتغير بخروجه من الميقات كذا في العناية. وقول المحبوبي هو الصحيح، نقله الشيخ الشبلي عن الكرماني شرنبلالية، وإنما قيد بالقران لأنه لو اعتمر هذا المكي في أشهر الحج من عامه لا يكون متمتعا لأنه ملم بأهله بين النسكين حلالا إن لم يسق الهدي، وكذا إن ساق الهدي لا يكون متمتعا، بخلاف الآفاقي إذا ساق الهدي ثم ألم بأهله محرما كان متمتعا لأن العود مستحق عليه فيمنع صحة إلمامه. وأما المكي فالعود غير مستحق عليه وإن ساق الهدي فكان إلمامه صحيحا، فلذا لم يكن متمتعا كذا في النهاية عن المبسوط (قوله ولو قرن أو تمتع جاز وأساء إلخ) أي صح مع الكراهة للنهي عنه، وهذا ما مشي عليه في التحفة وغاية البيان والعناية والسراج وشرح الإسبيجابي على مختصر الطحاوي. واعلم أنه في الفتح ذكر أن قولهما لا تمتع ولا قران لمكي يحتمل نفي الوجود، ويؤيده أنهم جعلوا الإلمام الصحيح من الآفاقي مبطلا تمتعه والمكي ملم بأهله فيبطل تمتعه. ويحتمل نفي الحل بمعنى أنه يصح لكنه يأثم به للنهي عنه، وعليه فاشتراطهم عدم الإلمام لصحة التمتع بمعنى أنه شرط لوجوده على الوجه المشروع الموجب شرعا للشكر، وأطال الكلام في ذلك. والذي حط عليه كلامه اختيار الاحتمال الأول لأنه مقتضى كلام أئمة المذهب، وهو أولى بالاعتبار من كلام بعض المشايخ يعني صاحب التحفة وغيره، بل اختار أيضا منع المكي من العمرة المجردة في أشهر الحج وإن لم يحج، وهو ظاهر عبارة البدائع، وخالفه من بعده كصاحب البحر والنهر والمنح والشرنبلالي والقاري واختاروا الاحتمال الثاني لأن إيجاب دم الجبر فرع للصحة، ولما في المتون في باب إضافة الإحرام إلى الإحرام من أن المكي إذا طاف شوطا للعمرة فأحرم بحج رفضه. فإذا لم يرفض شيئا أجزأه. قال في الفتح وغيره لأنه أدى أفعالهما كما التزمهما إلا أنه منهي والنهي عن فعل شرعي لا يمنع تحقق الفعل على وجه مشروعية الأصل، غير أنه يتحمل إثمه كصيام يوم النحر بعد نذره ا هـ. فهذا يناقض ما اختاره في الفتح أولا: أي فإن هذا تصريح بأنه يتصور قران المكي لكن مع الكراهة، وتمامه في الشرنبلالية. أقول: وقد كنت كتبت على هامشها بحثا حاصله أنهم صرحوا بأن عدم الإلمام شرط لصحة التمتع دون القران، وأن الإلمام الصحيح مبطل للتمتع دون القران، ومقتضى هذا أن تمتع المكي باطل لوجود الإلمام الصحيح بين إحراميه سواء ساق الهدي أو لا لأن الآفاقي إنما يصح إلمامه إذا لم يسق الهدي وحلق لأنه لا يبقى العود إلى مكة مستحقا عليه، والمكي لا يتصور منه عدم العود إلى مكة لكونه فيها كما صرح به في العناية وغيرها. وفي النهاية والمعراج عن المحيط أن الإلمام الصحيح أن يرجع إلى أهله بعد العمرة، ولا يكون العود إلى العمرة مستحقا عليه، ومن هذا قلنا لا تمتع لأهل مكة وأهل المواقيت ا هـ. أي بخلاف القران، فإنه يتصور منهم لأن عدم الإلمام فيه ليس بشرط. ولعل وجهه أن القران المشروع ما يكون بإحرام واحد للحج والعمرة معا، والإلمام الصحيح ما يكون بين إحرام العمرة وإحرام الحج، وهذا يكون في التمتع دون القران، فمن هذا قلنا إن تمتع المكي باطل دون قرانه، وهذا قول ثالث لم أر من صرح به، لكن يدل عليه تصريح البدائع بعدم تصور تمتع المكي، وأما قوله في الشرنبلالية إنه خاص بمن لم يسق الهدي وحلق دون من ساقه أو لم يسقه و لم يحلق لأن إلمامه حينئذ غير صحيح فغير صحيح لما علمت من التصريح بأن إلمامه صحيح ساق الهدي أو لا، ويدل عليه أيضا عبارة المحيط المذكورة، وكذا ما مر من الفرع المذكور في باب إضافة الإحرام فإنه صريح في عدم بطلان قرانه. ثم رأيت ما يدل على ذلك أيضا، وذلك ما في النهاية عن الأسرار للإمام أبي زيد الدبوسي حيث قال: ولا متعة عندنا ولا قران لمن كان وراء الميقات على معنى أن الدم لا يجب نسكا، أما التمتع فإنه لا يتصور للإلمام الذي يوجد منه بينهما. وأما القران فيكره ويلزمه الرفض لأن القران أصله أن يشرع القارن في الإحرامين معا والشروع معا من أهل مكة لا يتصور إلا بخلل في أحدهما لأنه إن جمع بينهما في الحرم فقط أخل بشرط إحرام العمرة فإن ميقاته الحل، وإن أحرم بهما من الحل فقد أخل بميقات الحجة لأن ميقاتها الحرم والأصل في ذلك أهل مكة فلذا لم يشرع في حق من وراء الميقات أيضا ا هـ. أي أن من كان وراء الميقات: أي داخله لهم حكم أهل مكة فهذا صريح في أن أهل مكة ومن في حكمهم لا يتصور منهم التمتع ويتصور منهم القران، لكن مع الكراهة للإخلال بميقات أحد الإحرامين. ثم رأيت مثل ذلك أيضا في كافي الحاكم الذي هو جمع كتب " ظاهر الرواية ونصه: وإذا خرج المكي إلى الكوفة لحاجة فاعتمر فيها من عامه وحج لم يكن متمتعا، وإن قرن من الكوفة كان قارنا " ا هـ. ونقله في الجوهرة معللا موضحا فراجعها. وعلى هذا فقول المتون ولا تمتع ولا قران لمكي معناه نفي المشروعية والحل، ولا ينافي عدم التصور في أحدهما دون الآخر، والقرينة على هذا تصريحهم بعده ببطلان التمتع بالإلمام الصحيح فيما لو عاد المتمتع إلى بلده، وتصريحهم في باب إضافة الإحرام بأنه إذا قرن ولم يرفض شيئا منهما أجزأه، هذا ما ظهر لي فاغتنمه فإنك لا تجده في غير هذا الكتاب. والله تعالى أعلم. بالصواب (قوله ولا يجزئه الصوم لو معسرا) لأن الصوم إنما يقع بدلا عن دم الشكر لا عن دم الجبر شرح اللباب. (قوله ثم بعد عمرته) قيد به لأنه لو عاد بعد ما طاف لها الأقل لا يبطل تمتعه لأن العود مستحق عليه لأنه ألم بأهله محرما بخلاف ما إذا طاف الأكثر بحر (قوله عاد إلى بلده) فلو عاد إلى غيره لا يبطل تمتعه عند الإمام وسويا بينهما نهر (قوله وحلق) ظاهره أن الحلق بعد العود، ففيه ترك الواجب عندهما. والمستحب عند أبي يوسف كما مر، ولو حذفه لفهم مما قبله. قال في البحر: ودخل في قوله بعد العمرة الحلق فلا بد للبطلان منه لأنه من واجباتها وبه التحلل، فلو عاد بعد طوافها قبل الحلق ثم حج من عامه قبل أن يحلق في أهله فهو متمتع لأن العود مستحق عليه عند من جعل الحرم شرط جواز الحلق وهو أبو حنيفة ومحمد. وعند أبي يوسف إن لم يكن مستحقا فهو مستحب كذا في البدائع وغيره. ا هـ. (قوله فقد ألم إلماما صحيحا) لأن العود لم يبق مستحقا عليه كما مر (قوله فبطل تمتعه) أي امتنع التمتع الذي أراده لفقد شرطه وهو عدم إلمام الصحيح (قوله ومع سوقه تمتع) أي لا يبطل تمتعه بعوده عندهما خلافا لمحمد لأن العود مستحق عليه ما دام على نية التمتع لأن السوق يمنعه من التحلل فلم يصح إلمامه، كذا في الهداية. وفي قوله ما دام إيماء إلى أنه لو بدا له بعد العمرة أن لا يحج من عامه كان له ذلك لأنه لم يحرم بالحج بعد. وإذا ذبح الهدي أو أمر بذبحه وقع تطوعا، أما إذا لم يعد إلى بلده وأراد نحر الهدي والحج من عامه لم يكن له ذلك، وإن فعل وحج من عامه لزمه دم التمتع ودم آخر لإحلاله قبل يوم النحر كذا في المحيط نهر. قال في البحر: فالحاصل أنه إذا ساق الهدي، فلا يخلو إما أن يتركه إلى يوم النحر أو لا، فإن تركه إليه فتمتعه صحيح ولا شيء عليه غيره سواء عاد إلى أهله أو لا. وإن تعجل ذبحه، فإما أن يرجع إلى أهله أو لا فإن رجع فلا شيء عليه مطلقا سواء حج من عامه أو لا؛ وإن لم يرجع إليهم. فإن لم يحج من عامه فلا شيء عليه، وإن حج منه لزمه دمان: دم المتعة، ودم الحل قبل أوانه (قوله كالقارن) فإنه لا يبطل قرانه بعوده نهر لأن عدم الإلمام غير شرط فيه كما مر (قوله وإن طاف لها إلخ) قدم الشارح المسألة أول الباب، وقدمنا الكلام عليها (قوله اعتبارا للأكثر) علة للمسألتين ط (قوله أي آفاقي) أشار به إلى أن ذكر الكوفي مثال وأن المراد به من كان خارج الميقات لأن المكي لا تمتع له كما مر (قوله حل من عمرته فيها) لأنه لو اعتمر قبلها لا يكون متمتعا اتفاقا نهر (قوله أي داخل المواقيت) أشار إلى أن ذكر مكة غير قيد، بل المراد هي أو ما في حكمها (قوله أي غير بلده) أفاد أن المراد مكان لا أهل له فيه سواء اتخذه دارا بأن نوى الإقامة فيه خمسة عشر يوما أو لا كما في البدائع وغيرها، وقيد به لأنه لو رجع إلى وطنه لا يكون متمتعا اتفاقا أيضا إن لم يكن ساق الهدي نهر (قوله لبقاء سفره) أما إذا أقام بمكة أو داخل المواقيت فلأنه ترفق بنسكين في سفر واحد في أشهر الحج وهو علامة التمتع وأما إذا أقام خارجها فذكر الطحاوي أن هذا قول الإمام. عندهما لا يكون متمتعا لأن المتمتع من كانت عمرته ميقاتية وحجته مكية وله أن حكم السفر الأول قائم ما لم يعد إلى وطنه، وأثر الخلاف يظهر في لزوم الدم، وغلطه الجصاص في نقل الخلاف بل يكون متمتعا اتفاقا. لأن محمدا ذكر المسألة ولم يحك فيها خلافا. قال أبو اليسر وهو الصواب. وفي المعراج أنه الأصح، لكن قال في الحقائق: كثير من مشايخنا قالوا الصواب ما قاله الطحاوي. وقال الصفار: كثيرا ما جربنا الطحاوي فلم نجده غالطا. وكثيرا ما جربنا الجصاص فوجدناه غالطا. قال الزيلعي: والمسألة الآتية تؤيد ما حكاه الطحاوي نهر (قوله ولو أفسدها) أي في أشهر الحج بأن جامع قبل أفعالها. أما لو أفسدها قبلها ثم خرج قبل أشهر الحج وقضاها فيها وحج من عامه كان متمتعا اتفاقا نهر (قوله ورجع من البصرة) الأولى أن يقول إلى البصرة لأنه كان في مكة حين شرع بالعمرة. وعبر في الملتقى بقوله ولو أفسدها وأقام ببصرة. وعبر في الكنز بقوله وأقام بمكة. فعلم أن كلا من البلدين غير قيد، ولذا قال في النهر والمراد موضع لا أهل له فيه. دل على ذلك قوله إلا إذا ألم بأهله (قوله لأنه كالمكي) لأن سفره انتهى بالفاسدة وصارت عمرته الصحيحة مكية. ولا تمتع لأهل مكة نهر (قوله إلا إذا ألم بأهله) أي بعدما أفسدها وحل منها نهر، وقوله وأتى بهما: أي بقضاء العمرة وبأداء الحج شرنبلالية وإذا لم يلم بأهله، فإن أقام بمكة فهو بالاتفاق، وإن أقام ببصرة فهو غير متمتع عنده. وقالا: متمتع لأنه أنشأ سفرا وقد ترفق فيه بنسكين. وله أنه باق على سفره ما لم يرجع إلى وطنه كما في الهداية. وهذا يؤيد ما مر على الطحاوي (قوله لأنه سفر آخر) أي لأن رجوعه بعد الإلمام إنشاء سفر آخر للحج والعمرة فيكون متمتعا لبطلان سفره الأول. ولا يضر تمتعه كون عمرته قضاء (قوله أتمه) أي مضى فيه لأنه لا يمكنه الخروج عن عهدة الإحرام إلا بالأفعال هداية (قوله بلا دم للتمتع) لأنه لم يترفق بأداء نسكين صحيحين في سفرة واحدة هداية (قوله بل للفساد) أي بل عليه دم لما أفسده وهو دم جناية. فالمنفي دم الشكر.
|